سألني أحد الاصدقاء: مادام أنك تنتقد المجلس دائماً لماذا لاتترك
عضويته, وتبحث عن إطار آخر? اجابتي له كانت بسيطة"هي لأن المجلس الوطني هو
أول إطار معارض له صفة تمثيلية بالمعنى النسبي,
واخذها من جزء لا بأس به من الشارع الثائر, وهذا الجزء كان يشكل أكثرية
واضحة في التظاهرات السلمية في بداية الاعلان عن المجلس, كما أن تأسيسه جاء
بناء على طلب هذه الكتلة الثائرة التي قدمت لسورية من اجل مستقبلها الغالي
والرخيص, وربما للمرة الأولى بتاريخ سورية المعاصر تتشكل هيئة معارضة
استجابة لمطالب الناس وليس استنادا إلى مطالب الايديولوجيات, واطرها
الحزبية وغير الحزبية.
إذا فرط عقد المجلس سنرى مجالس أو شخصيات فردية
تتصدر الاطر التمثيلية للشعب السوري, وكل شخصية من هؤلاء يرى أن النور يشع
من صورته... تراكضوا لتشكيل حكومات انتقالية!
المجلس الآن يتعرض لضغوط
عديدة من اجل انهاء مفعوله التمثيلي أو ما تبقى من هذا المفعول لصالح الخط
الرافض للتدخل الدولي والرافض لدعم تسليح الجيش الحر, هذا الخط نفسه كان
سبباً من اسباب وصول المجلس إلى غرفة العناية المشددة الآن, أي لصالح منطقة
مشتركة بين الموقفين الروسي والاميركي, أو بشكل أوضح اقليميا بين الموقفين
الايراني والتركي, هذه المنطقة المشتركة هي التي تتعلق بتزمين الوضعية
السورية, النقطة الاسرائيلية الأكثر وضوحا, حتى يتضح البديل كما يقولون في
إسرائيل وبعض اوساطها في الغرب, هذه الحجة الممجوجة, والتي كلفت وتكلف
وستكلف شعبنا اثمانا باهظة, لأن شعبنا لم يعد لديه ما يتراجع عن ثورته من
أجله, هذا الموقف عبرت عنه مبادرة الرئيس المصري الجديد محمد مرسي في مؤتمر
الرياض الأخير, حيث تجمع هذه المبادرة كلا من مصر والسعودية وإيران
وتركيا.
منذ تشكل المجلس وهذا التيار الرافض يحاول اجهاض دور المجلس
وطاقته التمثيلية, نجح في اكثر من محطة بفضل اعضاء نافذين في المكتب
التنفيذي للمجلس, فقبلوا مثلا بتوقيع وثيقة مع هيئة التنسيق في القاهرة, ثم
قبلوا ان يكونوا طرفا من المعارضة في مؤتمر القاهرة الأخير تحت رعاية نبيل
العربي وكوفي عنان, اخبرت بعضا من الاصدقاء في المكتب التنفيذي قبل تشكل
المجلس بأشهر طويلة, بأنه لا نية لأميركا بالتدخل العسكري, لهذا يجب على
المعارضة أن تحرج هذا الموقف بمطالبته بالتدخل, وإنها تتبنى الموقف
الاسرائيلي الرافض للتدخل لكي يبقي العصابة الأسدية الطرف الوحيد الذي
يمتلك السلاح في سورية الثورة, وقد تبلغنا هذا الموضوع مع مجموعة من
الناشطين بعد انطلاق الثورة بأسابيع قليلة, وبدلا من أن تذهب المعارضة
وفيما بعد المجلس باتجاه مزيد من الضغط ومزيد من فضح هذا الموقف الدولي,
استقبلته بترحاب كبير وتواطأت معه, واصبحت حجتهم في ذلك جاهزة," يا أخي هم
لايريدون التدخل فلماذا نطالبهم?
ثلاث فبركات إعلامية ركزت عليها الدول الرافضة للتدخل من أجل تبرير موقفها:
الأولى- على المعارضة ان تتوحد وتعطي ضمانا للأقليات السورية.
الثانية- الخوف من البديل الاسلامي.
الثالثة-
والفيتو الروسي في مجلس الأمن, لسان حالهم من يمنع قرارا بالتدخل هو
الفيتو الروسي, وكأن أميركا و"الناتو" يقيمون وزنا لروسيا, والأمثلة كثيرة
على ذلك العراق وكوسوفو.
وبدأ عتاة المجلس وهيئة التنسيق بتصدر الواجهة
التي تتبنى هذه الفبركات, وترافقت تلك الموجة مع وصول معونات مالية, والمال
يفسد بعضنا, كما هي السلطة, لا استثني نفسي!
لكن بروز ظاهرة الجيش الحر
قطعت الطريق على تلك البروزات ووضعت المعادلة في قالب كان ولايزال الغرب
والشرق لايريدانه, وهو محاولة الجيش الحر والثورة عموما تغيير الوقائع على
الارض, وهذا ما حصل, هذا التغير وضع الجميع امام صياغة جديدة لتعاملهم مع
الثورة السورية, لكن من دون ان يتخلوا عن اهدافهم القديمة, وهي ترك الوضع
يتزمن إلى حين تطمئن أميركا على الأقليات وتطمئن تركيا على وضع ال¯ "بي كي
كي" وإسرائيل تنتظر بديلا لايشكل خطرا على أمنها, وهنا استغرب من نقاش
يتمحور حول هذه المواضيع والتي هي عبارة عن فبركة اعلامية لاشغال الرأي
العام, من يريد ضمانات للأقليات لانراه يتجرأ على القول إن الذبح والمجازر
تحدث معظمها في صفوف الأكثرية السنية, استغرب كيف لضمير ان يتحدث عن ضمانة
للأقليات والقتل يجري على الأكثرية, وعندما تقول له ذلك, يتهمك بالطائفية,
بالطبع الغرب لايهمه كثيرا هذا الموضوع, لكنه يهمه من أجل اشغال الرأي
العام فقط, فمن الصعب القبول بأن طرفا يريد ضمانة للأقليات ولايتحدث عن أن
القتل يجري في صفوف الأكثرية السورية, والتي ليست طائفية بأي حال من
الاحوال, ولو كانت كذلك لما كان تاريخ سورية المعاصر على ما هو عليه, في
هذه الاجواء يتم اشغال وحشر الراي العام والمجلس الوطني, وقيادة المجلس
لاتزال تستجيب لدرجة أننا نشعر وكأنها أسقط بيدها بينما الموضوع عكس ذلك
تماما!
هم يريدون ذلك, ينفعهم في أنه لايريد أن يمس عذريتهم في الحفاظ
على السيادة السورية وعلى التوافقية التي جعلتهم يتصدرون مشهدية المتفرج!
المجلس
الآن في حالة من التخبط النسبي, يحتاج إلى دفق جديد من الروح العملية,
والمؤسسية, ويحتاج إلى ستراتيجية واضحة ومتكاملة العناصر والممارسات للخروج
من نفق الموات, نناقش الآن إعادة الهيكلة...لايمكن اعادة الهيكلة من دون
الاتفاق على ستراتيجية سياسية موحدة, تأبى التوافقية أن تؤسس لهذه
الستراتيجية السياسية الموحدة والتي تعطي سيادة موحدة للمجلس عبر سيادة
رؤيته هذه, منذ أن تم اشغال المجلس بقضية إعادة الهيكلة من دون الاتفاق على
رؤية سياسية موحدة للموضوع, وأنا بصراحة اضع علامات تعجب على تلك النقاشات
التي تدور بين اعضاء المجلس الذين حقا يفورون نشاطا, ويتمنون الخروج من
هذا النفق ويحاولون, لكن التوافقية المرضية تقف سدا منيعا أمام هذا النشاط,
تحت تهديد فرط عقد المجلس.
وصل وضع المجلس لأن يستطيع شخص واحد أن يفرض
شخصا آخر على الامانة العامة, او على المكتب التنفيذي فقط, لأنه يراه
مناسبا له, مع ذلك هناك قوى حية داخل المجلس تعمل من اجل تجاوز هذه
الخيانة.
إن تفعيل المجلس لكي يبقى الطرف الأكثر تمثيلية وتعبيرا عن
الشعب السوري, هي المهمة الملقاة على عاتقنا الان, وإلا سنتحول إلى هيئة
تنسيق جديدة لكن مع اختلاف في الغلاف الخطابي المزايد فقط بمطالبته باسقاط
بشار الأسد ورموز عصابته.
نعم الان المجلس يحتاج لاغاثة, كمخيمات
اللاجئين السوريين في تركيا والاردن, ولكن اغاثة سياسية, لأن الجو السياسي
الدولي والاقليمي موبوء ومستعد للخيانة, لخيانة دماء شعبنا...هذا فقط ما
استطيع قوله عن الجو السياسي الآن.
كاتب سوري